دافيد فاين
جئت من ولاية كونكتيكت الصغيرة إلى إسرائيل لأسباب عدة، منها السفر والتعلم والتطوع. أثناء السنة التي تطوعت فيها العام الماضي، سمعت فقط عن سديروت، بلدة صغيرة في جنوب إسرائيل، تقع على مسافة تقل عن ميل واحد من قطاع غزة، لكنني لم أزرها من قبل.
وكالعديد من الأمريكيين، عرفت عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وعن الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة. ولم اقض وقتا طويلا بالتفكير في الأماكن التي تسقط فيها كل هذه الصواريخ. ولم يخطر ببالي قط ما قد يعنيه سقوط صاروخ على مدينتي، أو بيتي أو غرفتي، لم يكن ذلك بأمر ذي صلة بي.
قضيت اليومين الماضيين في سديروت حيث تسقط الصواريخ. وكنت قد ذهبت إلى المدينة لكي أتطوع كجزء من برنامج “الطلاب يقودون الجنوب” وهي فرصة تطوعية مدتها 3 أيام نظمها الطلاب وصحبنا نوعم بدين في جولة حول المدينة لأنه يعمل في مركز إعلام سديروت. أمضيت الوقت أتعرف على المدينة: رؤية أماكن سقوط الصواريخ، مقابلة الناس الذين يتعرضون للخطر والخوف الدائم من هجمات الصواريخ، ومحاولة فهم معنى العيش في سديروت. لقد أدركت بأن وضع سكان سديروت لا يمت بصلة لي فقط بل يمت بصلة لجميع الناس في العالم الذين يهمهم إنقاذ أرواح المدنيين الأبرياء، لم أعد أستطيع التظاهر بأنني لا أدري.
من بين جميع سكان سديروت الذين تحدثت إليهم، كان لحكاية شخص بعينه وقع شديد في نفسي. حولت حافا ما أظهرته وسائل الإعلام كلقطة من كوم ركام إلى واقع، كيف أفكر بمعاناة الغير من بعيد، لأن القريب الشديد يسبب الألم. لكنني اشعر بضرورة مشاركتكم إياي في حكاية حافا لأن الوضع في سديروت يتم إخفاؤه عن العالم وإذا لم نتصرف قريبا فستزهق أرواح المزيد من الأبرياء.
حافا هي أم لثلاثة أطفال. وبدأت قصتها قبل ثلاث سنوات تقريبا من هذا اليوم عندما اتصلت بها ابنتها تبكي بصورة هستيرية لأن صاروخ قسام أطلقته حماس مر فوق رأسها وسقط في الشوارع. استغرق الأطباء في غرفة الطوارئ أربع ساعات لتهدئة البنت، وكانت تلك هي البداية فقط. في وقت لاحق من تلك الليلة أطلق صاروخ قسام آخر. وبعد أسبوع من ذلك أثناء عيد التوراة (سمحات توراة) أطلق قسام آخر على سديروت. كانت حافا تستطيع العمل، لكن مع هجمات القسام التي لا تنتهي، ولما لم تستطع النوم ليلا أو أن تعرف طعم الراحة ولو لحظة، غلبتها الصدمة.
فقدت عملها. واضطرت إلى الاتكال على أدوية تتناولها لتستطيع النوم. وتعيد إليها صفارة الإنذار التي تنطلق يوميا تقريبا لتؤذن بقدوم صاروخ، ذكريات مرعبة. ومما يبعث على الاستغراب، هو أن أطفالها الآن يحكون الفكاهات عن هجمات الصواريخ التي أصبحت “عادية” وجزءا من حياتهم اليومية.
لكن صدمة سكان سديروت النفسية الشخصية لا تقتصر على الشخص وحده، بل تنتشر إلى جميع أفراد العائلة. أراد ابن حافا الاحتفال بعيد ميلاده الثامن في سديروت.
دعت عائلتها من وسط إسرائيل، وأرادت العائلة قبول الدعوة، لكنهم كانوا يخشون من خطر القسام، وجهدت حافا في إقناعهم بالمجيء إلى بيتها.
روت لي حافا أحاديث دارت بينها وبين ابنها الصغير الذي سألها: “إذا قتلني صاروخ قسام، فكم سيدوم حزنك علي؟” و”ماذا سأفعل لو قتلت أنت؟”
لا يمكنني حتى أن أتصور طفلا بالثامنة من عمره يسأل أمه سؤالا كهذا.
بعد قضاء يومين هنا فقط، أعرف ما الذي لا تستطيع وسائل الإعلام نقله بلقطة شريط مدة ثانيتين، التأثير النفسي الذي يتركه القسام كان مدمرا على حافا، وهي واحدة فقط من آلاف سكان سديروت الذين يعانون من نفس الألم والصدمة.
فهل نحن بحاجة إلى سفك كمية معينة من الدم حتى نتصرف؟
إذا كانت صورة ما نتجاهله غير واضحة بعد، فسأشاطركم شيئا آخر قالته لي حافا، عند إطلاق صاروخ قسام، لا يتمكن الناس من الوصول إلى الملجأ بالوقت المناسب. فكل ما لديهم هو 15 ثانية فقط، والوقت يمر بسرعة عندما يستحوذ عليك الذعر والخوف. وهناك بنايات كثيرة بالمدينة تفتقر إلى الملاجئ، شرحت لي حافا ما تفعله عندما تتمشى مع ابنها في منطقة خالية من الملاجئ: يستلقي ابنها على الأرض، وتستلقي هي فوقه. مر صاروخ مليء بالمتفجرات فوق رأسها وابتهلت إلى الله بأن لا تقتل وابنها مستلق تحتها.
ينبغي أن لا يحدث هذا لأحد – لا لوالدين، أو أي أحد – لكنه يحدث في سديروت لأن دولة إسرائيل والولايات المتحدة وبقية العالم لا يمدون يد العون.
الجهل هو نعمة. فما لا أعرفه، لست مضطرا للتصرف فيه. آمل بعد قراءة هذا أن لا تختبئوا وراء الجهل أكثر من ذلك، لكي لا تضطر الأمهات في سديروت إلى استخدام أجسادهن كملاجئ يحتمي بها أبناؤهن من القنابل.
دافيد فاين متطوع في مركز إعلام سديروت.